- التفاصيل
- الزيارات: 4372
إختطاف طائرة قادة الثورة الجزائرية بالمغرب 22 أكتوبر1956
أدركت السلطات الاستعمارية خطورة الوضع أمام فشل مناوراتها الإصلاحية، وعملياتها العسكرية عبر التراب الوطني، فلجأت إلى تدبير مكيدة اختطاف القادة الثوريين وهم أعضاء في المكتب الخارجي لجبهة التحرير الوطني، وأخطأت فرنسا التقدير، إذ ظنّت بهذا الاختطاف ستقطع الرأس المدبّر للثورة، لكن ما حدث هو العكس.
دعوة جبهة التحرير الوطني للمشاركة في ندوة تونس المغاربية: في نهاية سبتمبر 1956، وُجّهت الدعوة لجبهة التحرير الوطني للمشاركة في الندوة المغاربية المقرّر عقدها في تونس يوم 22 أكتوبر 1956 تهدف الى تأكيد البعد المغاربي للثورة الجزائرية والتضامن الحقيقي، وتوضيح رؤية جبهة التحرير الوطني للرأي العام الدولي ولفرنسا بوحدة قضايا الشمال الافريقي، وارتباط استقرار المنطقة بإيجاد حل للمشكلة الجزائرية، تثمين المساعي التي باشرها الوفد الخارجي للثورة من أجل تحسين وضعية الثورة في أية مفاوضات محتملة، خاصة فيما يتعلق باعتراف الأطراف المغاربية بتمثيل الجبهة لكفاح الشعب الجزائري.
تشكّل الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني من: محمد خيضر، حسين آيت أحمد، أحمد بن بلة، محمد بوضياف، وقد رافقهم في هذه المهمة المناضل مصطفى الأشرف، لاجراء محادثات مع الرئيس “الحبيب بورقيبة والسلطان المغربي محمد الخامس” لبحث القضية الجزائرية على ضوء اللقاءات التي قام بها مندوبو جبهة التحرير الوطني مع الحكومة الفرنسية في جويلية وسبتمبر 1956 في كل من بلغراد وروما. والتطرق إلى قضية“اتحاد شمالي افريقيا المحرّر كليا.
التخطيط لعملية الاختطاف: بعدما علمت السلطات الاستعمارية بعزم جبهة التحرير الوطني على إرسال وفد يمثلها في مؤتمر السلام بتونس، باشرت التخطيط لعملية الاختطاف، مبدية رغبتها في عقد اجتماع بين السلطان المغربي محمد الخامس والرئيس التونسي“الحبيب بورقيبة، وممثلي جبهة التحرير الوطني، للنظر في مطالب الجزائريين بعد هذا اللقاء، وتبيّن فيما بعد أن الموافقة الفرنسية على الوساطة المغربية التونسية، لم تكن سوى عملية مُدبّرة الهدف منها استدراج القادة نحو المغرب للمفاوضات لتسهل عملية إلقاء القبض عليهم. ولاجل ذلك قبل المفاوضون الفرنسيون تقديم تسهيلات لتنقّل مندوبي جبهة التحرير الوطني.
قادة الثورة في ضيافة المغرب: قبل التوجّه إلى تونس لحضور ملتقى السلام جرت مراسيم استقبال قادة الثورة في الناظور بصفتهم مدعوين رسميين للسلطان، من قبل ولي العهد الحسن الثاني، حيث خصّهم محمد الخامس باستقبال حار وبشكل احتفالي بالرباط يومي 20 و21 أكتوبر 1956،
وتجدر الإشارة أنه في 22 أكتوبر 1956 كان من المقرّر أن يستقل مندوبو جبهة التحرير الوطني نفس الطائرة مع السلطان المغربي وحاشيته، لكنهم حولوا الى طائرة أخرى. حينها وجد الجنرال فرندون رئيس المنطقة الجوية الخامسة التي تغطي الجزائر مناسبة لتنفيذ مؤامرة الاختطاف، فاتصل هذا الأخير باللواء لوريو القائد الأعلى في الجزائر، الذي استشار بدوره ماكس لوجون أمين سر دولة في القوات المسلّحة وهو الذي أعطى الأوامر بدون تردّد باعتراض الطائرة.
مجريات عملية القرصنة الجوية وتنفيذها: في حدود الساعة منتصف النهار من يوم 22 أكتوبر 1956 أقلعت الطائرة DC3 المستهدفة التابعة لشركة الطيران المغربي من مطار الرباط سالا وكان على متنها إضافة إلى قادة الثورة 10صحافيين من بينهم طوم برادي من نيويورك تايمز وإيف دو شامب من نوفيل أبسرفاتور. وكان الخط المحدّد لطيران الطائرة هو الرباط – بالما- دي مايوركا، وهو خط غير خاضع لرقابة السلطات الفرنسية، وكان من المقرّر أن تتحول الطائرة من قطاعات الإصغاء في المملكة المغربية للدخول في قطاع اشبيليا قبل النزول في بالما، غير أن مراكز مدينتي الجزائر ووهران أصغت إلى تردّد قطاع اشبيليا، حينها طُلب من قائد الطائرة الانحراف عن خط سيره والنزول في وهران. ولما بُلّغ قائد الطائرة بما حدث له مع السلطات الفرنسية أُعطيت التعليمات من الرباط إلى ملاحي الطائرة بعدم مغادرة بالما إلى إشعار آخر، لكن تعذّر عليهم تلقي الرسائل عن طريق المطار الذي يستخدم في اتصـــــــــــــــالاته خط(الرباط- مدينة الجزائر- باريس- مدريد- بالما) لأن السلطات الفرنسية احتجزت الرسائل لإنجاح عملية القرصنة الجوية.
وعند مغادرة بالما باتجاه تونس، طلبت السلطات العسكرية الفرنسية من قائد الطائرة تغيير وجهته باتجاه الجزائر، وفي محاولة لها للعودة إلى المغرب طبقا لتعليمات السلطات المغربية انطلقت باتجاهها طائرات فرنسية حربية التي كانت على أتّم الاستعداد لإطلاق النار، وبذلك تمّ تحويل الطائرة التي تقل قادة الثورة نحو مدينة الجزائر بمطار دار البيضاء وسط حشد كبير من القوات العسكرية والأمنية.
ردود الفعل الداخلية والخارجية:
1- رد الفعل الجزائري: جاء رد قيادة الثورة الجزائرية على عملية القرصنة التي استهدفت قادتها، من خلال البيان الذي أصدره عبان رمضان في اليوم التالي من حادثة الاختطاف ووُزّع في العاصمة الجزائرية أكّد فيه صمود الثورة قيادة وشعبا وقد جاء فيه:.. إن اختطاف مسؤولين من جبهة التحرير الوطني الجزائرية ليس سوى انقلاب طارئ لن يغيّر شيئا من تصميم الثورة.
-على الصعيد المغاربي: أثارت عملية الاختطاف استنكار العديد من الدول وفي مقدمتهم تونس والمغرب، إذ قرّرتا استدعاء سفيريهما في باريس احتجاجا على العملية . وبقيت القطيعة السياسية بين المغرب وتونس من ناحية وباريس من ناحية أخرى قائمة، وبلغت حد التوتر حيث طالب المغرب باريس بإرجاع ضيوفه الخمسة بدون قيد أو شرط، أو رفع القضية إلى محكمة لاهاي الدولية.
واعتبرالرئيس بورقيبة القضية تطورا للأزمة زاد من ابتعاد شمال افريقيا عن الهدوء، وصرح خلالها أن عملية الاختطاف زادت في استفزاز شعوب شمال افريقيا، منتقدا السياسة الفرنسية
واعتبرها خديعة بعدما وثق التونسيون من فرنسا التي قبلت مبدأ التفاهم. أما الرد الفعل الليبي، فقد جاء على لسان رئيس الحكومة الليبية مصطفى بن حليم إذ قال أن عملية القرصنة كان وقعها كبير على ليبيا، وتمّ استدعاء السفير مباشرة ووجهت لحكومته اتهامات القرصنة وارتكاب الجرائم…. لذلك قامت ليبيا باستدعاء سفيرها من باريس، وقدمت وزارة الخارجية احتجاجا لفرنسا، وأكّد أن ليبيا حريصة على تسوية سلمية للمشاكل الجزائرية، وبذلك تحوّلت قضية اختطاف القادة إلى قضية دولية، حملت طرفي النزاع على الالتجاء إلى لجنة تحكيم مقرها في جنيف، وكانت مكوّنة من 5 شخصيات منها نائب عن المغرب ونائب عن فرنسا وثلاثة أعضاء محايدين يمثلون الباكستان وإيطاليا وبلجيكا. وترأّس اللجنة المحامي البلجيكي فيشر أحد الأساتذة البارزين في القانون الدولي، لكن هذه اللجنة تعثرت شهورا بسبب العراقيل والمشاكل القانونية التي أثارها العضو الفرنسي.
أثبتت هذه العملية للعالم، أن السلطات الاستعمارية لم تكن راغبة في تسوية القضية الجزائرية عن طريق التفاوض، ولجأت إلى هذا الأسلوب الإرهابي من أجل عرقلة السلام، فتشعّبت القضية في الميدان القانوني خاصة بعد موقف باريس الذي اعتبر اختطاف قادة الثورة مواطنين فرنسيين وهم في قبضة سلطة فرنسية ولا يوجد قانون في العالم يمكن أن يُلزم هذه السلطة على تسليم مواطنيها إلى سلطة أجنبية.
ما بعد الاختطاف: لم تهمل قيادة الثورة الجزائرية مناضليها المعتقلين الذين تمّ تحويلهم مباشرة بعد الاختطاف إلى فرنسا وحبستهم هناك في عدة سجون منها “فرين،توركون،اكس وأمام هذا الإجراء التعسفي بُذلت الجهود لإرغام الحكومة الفرنسية على إطلاق سراحهم لكن بدون جدوى.
ظلت قيادة الثورة الجزائرية تطالب بإطلاق سراح قياديها المعتقلين بدون شرط، مؤكدة من جهتها أهمية مساهمتهم في قضية التفاوض مع المحتل. وفي هذا الصدد أدلى محمد يزيد وزير الأخبار في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بالتصريح التالي” … إن الحديث عن المفاوضات معناه أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية هي المفاوض الكفء باسم الشعب الجزائري، والحكومة الجزائرية تتألف من 13 عضوا، فالوزراء المعتقلون يملكون أهلية التفاوض مثلما يملكها الوزراء الآخرون في الحكومة الجزائرية.
واصل قادة الثورة المختطفون نضالهم داخل السجون الفرنسية تعبيرا عن رفضهم المطلق للتجاوزات المرتكبة في حقهم، حيث أعلنوا إضرابا عن الطعام والمطالبة بحق التمتّع بنظام المساجين السياسيين. وأمام تجاهل السلطات الاستعمارية لمطالب المعتقلين الذين تدهورت صحتهم، وانتشار أنباء الإضراب خارج السجن، تم تحويل المناضلين إلى خامس معتقل في فرنسا هو سجن “أونوا وظلوا معتقلين هناك إلى غاية إطلاق سراحهم يوم 19 مارس 1962.